تعتبر مسرحية “الألباتروس” للمخرج المسرحي التونسي الشاذلي العرفاوي عملاً مسرحيا استطاع أن يضرب حجرا في مياه ساكنة، وأن يثير نقاشاً واسعاً حول قضية “الحرقة”. التي تؤرق العالم أجمع، تمكن العرفاوي من تقديمها في قالب فني راقٍ، بلغة شعرية وعروض مرئية مؤثرة
لم تقتصر المسرحية على تقديم صورة واقعية عن معاناة المهاجرين، بل تجاوزت ذلك إلى طرح أسئلة فلسفية عميقة حول معنى الحرية والحياة والموت. فرمزية الألباتروس، ذلك الطائر البحري الذي يحلق عاليا، تحمل في طياتها دلالات متعددة، فهي رمز الحرية والتحدي، وهي أيضاً رمز الوحدة والمعاناة.
ومن خلال أداء متميز لفاطمة سعيدان، عبد القادر بن سعيد، علي بن سعيد، مريم بن حميدة،
وملاك الزوايدي. ركزت المسرحيه على توثيق تجربة المهاجرين الساعين للوصول إلى الضفة الأخرى عبر البحر
استخدم العرفاوي رمزية البحر لتمثيل الحرية والمجهول والموت في آن واحد. فالبحر هو الأمل في حياة جديدة، تمكن العرفاوي من إيصال رسالته بقوة مستعينا بالفواصل الغنائية التي ساهمت في تعميق احساس الشخصيات، خاصة التي يصعب التعبير عنها
كما ساهمت الأغاني في تحقيق وحدة فنية متكاملة، حيث جمعت بين الموسيقى والغناء والتمثيل ، والحركات الانفعالية، والأصوات المعبرة، كلها عوامل ساهمت في خلق تجربة مسرحية مميزة. ولا يمكننا أن ننسى الدور الكبير الذي لعبه الديكور في هذه المسرحية.
فالبحر الأبيض المتوسط، الذي تحول مسرح العرض إلى جزء منه، كان عنصراً أساسياً في خلق الأجواء المناسبة، ونقل المشاهد إلى قلب الحدث.
ولكن هل يقتصر دور المسرح على تقديم صورا واقعية؟ أم أنه يستطيع أن يتجاوز ذلك ليصبح أداة للتغيير الاجتماعي؟ هذا سؤال طرحه العديد من النقاد. من جهة، يرى البعض أن دور المسرح هو تقديم صورة صادقة عن الواقع، وأن على الممثل أن يكون محايداً.
ومن جهة أخرى، يرى البعض الآخر أن المسرح يجب أن يكون أداة للتغيير، وأن على الفنان أن يستخدم صوته للتعبير عن قناعاته، والدفاع عن قضايا يؤمن بها.
وفي حالة مسرحية “الألباتروس”، يبدو واضحاً أن العرفاوي اختار الجانب الثاني. فمسرحيته ليست مجرد عمل فني، بل هي رسالة موجهة إلى العالم، تدعو إلى التضامن مع المهاجرين، وإلى بناء عالم أكثر عدلاً وإنسانية.
تعتبر قضية الهجرة غير الشرعية من القضايا الإنسانية الملحة التي تشغل العالم أجمع. وللمسرح دور كبير في تسليط الضوء على هذه القضية، وإيصال معاناة المهاجرين إلى الجمهور.
من خلال المسرح، يمكن للمشاهد أن يتعاطف مع المهاجرين، وأن يفهم دوافعهم وأسباب هجرتهم. كما يمكن للمسرح أن يساهم في تغيير النظرة المجتمعية للمهاجرين، ودفع الحكومات إلى اتخاذ إجراءات إيجابية لحل هذه المشكلة.
إن اختيار رمز الألباتروس كان موفقاً للغاية. فالألباتروس يمثل الحرية والتحدي، وهو أيضاً رمز للوحدة والمعاناة. كما يعكس بعمق حالة المهاجرين الذين يبحثون عن الحرية في ظل ظروف قاسية “الألباتروس” ليست مجرد مسرحية، بل هي تجربة إنسانية فريدة. إنها دعوة إلى التضامن والتعاطف، وإلى بناء عالم أكثر عدلاً ومساواة. وهي تذكير لنا بأن الفن، وبخاصة المسرح، هو قوة لا يمكن الاستهانة بها.