عباد يحيى واحد من أهم الأصوات الروائية الفلسطينية والعربية حاليا والذي ينتمي إلى جيل جديد، بدأ روايته من فلسطين ما قبل الحربين العالميّتين ،رام الله، تاريخ مدينة عبر حكاية عائلة النجار ودارهم والتي من خلالها نكتشف المدينة ومختلف التحولات والتغيرات التي طرأت عليها بعبور الأزمنة المتلاحقة والمتعاقبة عليها، بدءا من الحكم العثماني ثم الانتداب البريطاني، وصولا إلى ما آلت إليه السلطة الفلسطينية الماضية والحاضرة، مرورا بالحروب العالمية الأولى والثانية والنكبة؛ ثم الانتفاضات الفلسطينية وما تشكّل بعدها تنقلنا الرواية عبر صفحاتها إلى تاريخ المدينة، الماضي والحاضر، عبر زمنين وحكايتين متداخلتين، عبر فصولها أو عتباتها كما أراد الكاتب عنونتها. ستغوص في الرمزية التي اعتمدها الكاتب كثيرا، ما منح الرواية عمقا وأهمية، حيث تجعلك في حالة تدبر معانيها وكناياتها. إضافة إلى اللغة التي اعتمدها عباد يحيى لسرد حكاية مدينته، قوتها وشاعريتها، مستعيدا الحنين الأول للغة الضاد وهنا قوة الرواية وعتبتها الأساسية، وهي المميزة التي تجعل القارئ ينغمس فيها غير آبه لحجمها فجمال اللغة وعمق المعاني ستدفعك في نهايتها لطلب المزيد من الصفحات. فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد أن الكاتب استعمل لفظي «البيت» و«الدار»، فالأول للدلالة على الحيز المكاني الصغير والثابت الذي يحتله أفراد العائلة، بحيث يرتاحون فيه ويمارسون أنشطتهم اليومية كما غنت صباح «يا بيتي، يا بويتاتي» من كلمات مارون كرم ولحنها الكبير وديع الصافي. رواية أبدع فيها الكاتب، عبر بنائه الروائي المتين والمتراص بحيث تتبع تاريخ رام الله من خلال تعقب أسرة بطرس النجار لفترات طويلة من الزمن؛ وهذا ما يحيلني إلى القول، وما خطر ببالي وأنا أقرأ الرواية وأقتفي سير أحداثها، إن هذه الرواية تذكرني برائعة ماركيز «مئة عام من العزلة» التي سافرنا من خلالها إلى الساحرة ماكوندو من خلال تتبع عائلة بوينديا على مدى أجيال متلاحقة، الفرق بين ماكوندو ماركيز ورام الله عباد يحيى، أن الأولى متخيلة والثانية واقعية بكل تفاصيلها، فهنا يتقاطع المتخيل والواقع لينتجا ابداعا عجائبيا لا مثيل له. فتواصل الخط الزمني لفترات طويلة كسلسلة محكمة العقد، ينتج تداخلا بين الحديث والقديم وما تخللهما من متغيرات شكلت الهيكل العام لرام الله التي تعرفنا إليها الرواية بأدق تفاصيلها دون الحاجة لجواز سفر للعبور والاستكشاف. عباد يحيى كاتب وباحث فلسطيني، حصل على الماجستير في علم الاجتماع من جامعة بيرزيت، عمل صحافيا في وسائل إعلام عربية وفلسطينية عديدة. سبق وصدرت له «القسم 14»، و«هاتف عمومي» كما كتب أيضا روايتين تدور أحداثهما في رام الله: «رام الله الشقراء» و«جريمة في رام الله» قبل أن ينفرد بالعنوان والموضوع كله للمكان ويفسح له المجال للتعبير والبوح عن كل ما فيه، كأن هذه المدينة تسكنه لا هو يسكن فيها.