إزاء التحديات التي يشهدها النظام الديمقراطي عبر العالم وتنامي ما بات يعرف اصطلاحا ب”العجز الديمقراطي Le déficit démocratique وما أسفر عنه ذلك من تساؤلات حول أسباب هذا العجز وخلفياته وكيفية تجاوزه، انتظم في إطار أشغال الدورة الأربعين للندوة الوزارية للفرنكفونية الملتئمة يوم 16 مارس 2022 بباريس برئاسة تونس، حوار تفاعلي بين الدول الأعضاء للتباحث حول مسألة “العجز الديمقراطي والأمني في الفضاء الفرنكوفوني”.
وفي هذا السياق، أكد السيد عثمان الجرندي، وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، في مداخلته، على أن عالمنا اليوم يواجه تحديات متعددة الأبعاد نتيجة تعدد بؤر التوتر والأزمات، ناهيك عما أسفرت عنه جائحة كوفيد 19 من تداعيات. وأبرز أن الفضاء الفرنكوفوني لم يكن في مأمن من هذا الواقع الذي فرض نفسه.
كما أنه لم يكن بمنأى عن مختلف انعكاساته السلبية بما في ذلك الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والتوترات الجيوسياسية وغيرها من الأزمات على غرار التغير المناخي وتراجع الأمن الغذائي. وبين السيد الوزير أن هذا المشهد بالغ التعقيد بما أفرزه من تحديات ورهانات، أثر في ثقة الشعوب ولا سيما فئة الشباب في القيم والمفاهيم المشتركة وفي تصورها للديمقراطية كنظام حكم ضامن للسلم والأمن والاستقرار والرفاه.
وشدّد الوزير على أن هذا التوجس الذي نلمسه في مختلف دول العالم لا يمس من جوهر المفاهيم والمبادئ الديمقراطية في حد ذاتها وإنما في أسلوب الحكم وما أسفر عنه من نتائج أو كذلك في اعتمادها كقالب جاهز للحوكمة.
ولفت الوزير إلى أن الديمقراطية نهج يستدعي الصيانة والقيام بالمراجعات الدورية حتى تستجيب لما يفرضه الواقع من رهانات وحتى تكون أداة لضمان رفاه المجتمعات والشعوب، وليست قالبا جاهزا جامدا غير قابل للتطوير والتأقلم مع المستجدات والمتغيرات. وأوضح في هذا السياق أن التجربة الديمقراطية التونسية تعد النموذج الأمثل لهذه الرؤية على عديد المستويات، ذلك أن المسار الديمقراطي الذي اعتمدته تونس منذ سنة 2011 شهد عديد العراقيل والتعثرات التي ما فتئت تتفاقم نتيجة الحسابات السياسية الضيقة والتجاذبات الحزبية والمشاكل المؤسساتية الهيكلية في ظل وضع إقليمي ودولي دقيق. وقد أدت هذه التراكمات إلى انسداد الافق السياسي والعجز المؤسساتي والشلل الاقتصادي، الامر الذي دفع بالشعب التونسي إلى المطالبة بوضع حد لهذا الوضع المتدهور وتصحيح المسار القائم الذي حاد عن أهدافه.
وابرز الوزير أن استجابة سيادة الرئيس لهذه المطالب المشروعة من أجل تصحيح المسار الديمقراطي من خلال التدابير الاستثنائية التي اتخذها في 25جويلية، كانت ملحة وضرورية وجاءت وفقا للاحكام الدستورية بهدف إرساء نظام ديمقراطي عادل ومستدام. وبين الجرندي أن الديمقراطية في تونس خيار لا رجعة عنه ذلك أن الحقوق والحريات مضمونة وأن المسار الانتقالي يتقدم وفقا للرزنامة السياسية التي أعلن عنها سيادة رئيس الجمهورية في 13ديسمبر 2021 والتي ستتوج بانتخابات تشريعية في 17ديسمبر 2022 ويتخللها استفتاء حول النظام السياسي والانتخابي ومختلف الاصلاحات السياسية الكبرى مما يؤكد النهج التشاركي لهذا المسار التصحيحي.
وأضاف الوزير أن ديمقراطية منبتة ومنقطعة عن واقعها والخصوصيات الوطنية، غير قابلة للاستدامة أو الاستجابة لتطلعات الشعب، مشيرا إلى أن تونس اليوم شرعت في مرحلة تعزيز البناء المؤسساتي باتجاه مزيد من النجاعة والحوكمة الرشيدة كما أنها بدأت في عملية الاصلاح الاقتصادي لاستعادة عافية اقتصادها وتحقيق انتعاشته.
وبين الجرندي أن تونس في مضيها قدما على درب الديمقراطية تتطلع إلى مساندة شركائها الدوليين ودعمهم بما في ذلك شركاءها في الفضاء الفرنكوفوني. وختم الوزير بالقول أن التحديات التي تواجهها أنظمتنا الديمقراطية عبر العالم تؤكد تقاطع مصالحنا وترابطها، وأن تونس تؤمن بضرورة توحيد الجهود وبأهمية التعاون متعدد الأطراف من أجل عالم أكثر استقرارا ورفاها.